كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ونزل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ}.
وروى قتادة عن الحسن: «لا يتمنى أحد المال وما يدريه لعل هلاكه في ذلك المال».
وقال قتادة: كان أهل الجاهلية لا يورثون المرأة شيئا ولا الصبي، فلما جاء الإسلام، وجعل للمرأة النصف من نصيب الذكر، قال النساء، «لو كان أنصباؤنا في الميراث كأنصباء الرجال، وقلن: إنا لنرجو أن نفضل عليهم في الآخرة»، فنزل قول اللّه تعالى: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}.
فللمرأة الجزاء على الحسنة عشر أمثالها كما للرجال.
قال: {وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}، ونهى اللّه أن تتمنى المرأة ما فضل اللّه بعضهم على بعض، لأن اللّه تعالى أعلم بصالحهم منهم، فوضع القسمة منهم على التفاوت على ما علم من مصالحهم.
وبالجملة: التمني إذا لم يفض إلى حسد في ابتغاء زوال نعمة الغير أو تباغض، فلا نهي عنه، فإن الواحد منا يود أن يكون إماما وسيدا في الدين والدنيا، ولا نهي عنه، وإن علم قطعا أنه لا يكون.
وورد في الخبر أن الشهيد يقال له: تمن، فيقول: أتمنى أن أرجع إلى الدنيا، وأقتل في سبيل اللّه ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، كان يتمنى إيمان أبي طالب وأبي لهب وصناديد قريش، مع علمه بأنه لا يكون، وكان يقول: «واشوقاه إلى إخواني الذين يجيئون من بعدي يؤمنون بي ولا يروني».
وذلك كله يدل على أن التمني لا ينهى عنه إذا لم يكن داعية الحسد والتباغض، والتمني المنهي عنه في الآية من هذا القبيل، ومنه النهي عن الخطبة على خطبة أخيه، لأنه داعية الحسد والمقت.
قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ}، الآية [33]:
قال ابن عباس ومجاهد: المولى هاهنا العصبة.
وقال السدي: الورثة.
وأصل المولى: من ولي الشيء يليه، وهو إيصال الولاية في التصرف، والمولى لفظ مشترك يطلق على وجوه، فيسمى المعتق مولى والمعتق كمثل، ويقال: المولى الأسفل والأعلى، لاتصال كل واحد منهما بصاحبه، ويسمى الناصر المولى.
{وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ}.
ويسمى ابن العم مولى، والجار مولى.
وقد بسط المتكلمون من أهل السنة أقوالهم في هذا في الرد على الإمامية، عند احتجاجهم بقوله عليه السلام: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، فمعنى الولاء هاهنا العصبة، لقوله عليه السلام: «ما أبقت السهام فلأولى عصبة ذكر».
وقوله «فلأولى عصبة ذكر» يدل على أن المراد بقوله: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ} هم العصبات.
ومن العصبات المولى الأعلى لا الأسفل، على قول أكثر العلماء، لأن المفهوم في حق العتق، أنه المنعم على المعتق، وكالموجد له، فاستحق ميراثه لهذا المعنى.
وحكى الطحاوي عن الحسن بن زياد: أن المولى الأسفل، يرث من الأعلى واحتج فيه بما روي: أن رجلا أعتق عبدا له، فمات المعتق ولم يترك إلا المعتق، فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ميراثه للغلام المعتق.
قال الطحاوي: ولا معارض لهذا الحديث، فوجب القول به، ولأنه إذا أمكن إثبات الميراث للمعتق، على تقدير أنه كالموجد له، فهو شبيه بالأب، والمولى الأسفل شبيه بالابن، وذلك يقتضي التسوية بينهما في الميراث.
والأصل أن الاتصال يعم.
وفي الخبر: «ومولى القوم منهم».
والذين خالفوا هذا وهم الجمهور قالوا: الميراث يستدعي القرابة ولا قرابة، غير أنا أثبتنا للمعتق الميراث بحكم الإنعام على المعتق، فيقتضي مقابلة الإنعام بالمجازاة، وذلك لا ينعكس في المولى الأسفل.
وأما الابن فهو أولى الناس بأن يكون خليفة أبيه وقائما مقامه، وليس المعتق صالحا لأن يقوم مقام معتقه، وإنما المعتق قد أنعم عليه، فقابله الشرع بأن جعله أحق لمولاه المعتق، ولا يوجد هذا في المولى الأسفل، فظهر الفرق بينهما.
قوله تعالى: {والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} الآية [33].
قال ابن عباس في ذلك: كان المهاجر يرث الأنصاري دون ذي رحمه بالأخوة التي جعلها اللّه تعالى بينهم بالإسلام فلما نزلت: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ} نسخت، ثم قرأ: {والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} من النصر والرفادة والوصاية، وقد ذهب الميراث.
وعن ابن عباس: {والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم}، فكان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر، فأنزل اللّه تعالى: {وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفًا} يقول: «إلا أن توصوا».
وعن سعيد بن جبير في قوله تعالى: {والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} قال: كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيموت فيرثه.
وعاقد الصديق أبو بكر رضي اللّه عنه رجلا، فورثه لما مات وقال سعيد بن المسيب:
هذا في الذين كانوا يتبنون رجالا ويورثوهم، فأنزل اللّه تعالى فيهم، أن يجعل لهم من الوصية، ورد الميراث إلى المولى من ذوي الرحم والعصبة.
إذا ثبت هذا فأبو حنيفة، وأبو يوسف، وزفر، ومحمد، صاروا إلى أن الميراث بالمعاقدة، لم ينفسخ عند فقد الأقربين والمولى، بل يتعلق بها الميراث عند عدم الرحم والولاء، فإن اللّه تعالى جعل ذوي الأرحام أولى، فإذا لم يكونوا بقي على حكم الآية، وهذا بعيد، فإن الذي في الآية: {ولكل جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون والّذين عاقدت أيمانكم}.
فأثبت الميراث بالمعاقدة عند وجودها، وعلى أن قوله: {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ}، ليس نصا في الميراث، بل معناه: من النصرة والمعونة والرفاد.
قوله تعالى: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ} الآية [34].
ورد في الخبر، أن رجلا لطم امرأته لنشوزها عنه فجرحها، فاستعدت عليه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: القصاص، فأنزل اللّه تعالى: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ}.
ثم أنزل: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ}.
وقيل: ما كان الضرب على النشوز مشروعا ثم شرع.
ودلت الآية على أن الزوج يقوم بتدبير المرأة، وتأديبها، وإمساكها في بيتها، ومنعها من البروز، وأن عليها طاعته وقبول أمره، ما لم تكن معصية.
وقوله تعالى: {بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ}، يدل على أن الزوج جعل قوّاما عليها، حابسا لها على نفسه، ومانعا من البروز لأجل ما أنفق عليها من المال.
نعم بين اللّه تعالى أمر النفقة في مواضع في كتابه في قوله: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}.
وقول النبي صلّى اللّه عليه وسلم: ولكن في هذه الآية ذكر علة النفقة، فلا جرم، فهم العلماء منهما أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواما عليها، حتى زال الحبس في الدار على المذاهب كلها، ولها فسخ النكاح على مذهب الشافعي رضي اللّه عنه، لأنه إذا خرج عن كونه قواما عليها، وحابسا لها، فقد أخل غرض التحصين بالنكاح، فإن الغرض من النكاح على مذهب الشافعي رضي اللّه عنه، لأنه إذا خرج عن كونه قواما عليها، وحابسا لها فقد أخل غرض التحصين بالنكاح، فإن الغرض من النكاح تحصينها، وإلا فهن حبائل الشيطان وعرضة الآفات، فإذا لم يكن قواما عليها، كان لها فسخ العقد، لزوال المقصود الذي شرع لأجله النكاح، وفيه دلالة ظاهرة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح، عند الإعسار بالنفقة والكسوة.
قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} الآية [34].
أمر اللّه تعالى بمراعاة الترتيب في استيفاء الحق من الممتنع على هذا الوجه، فإن لم يتأت إلا بالضرب والايجاع فيجوز، ولكن الضرب هو القدر الذي يصلحها له ويجعلها على توفية حقه.
وليس له أن يضرب ضربا يتوقع منه الهلاك، فإن المقصود الصلاح لا غيره، فلا جرم إذا أدى إلى الهلاك وجب الضمان، وكذلك القول في ضرب المؤدب لتعليم غلامه القرآن والأدب، ولأجله قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «لصاحب الحق يد ولسان».
وقال: «مطل الواجد يحل عرضه وعقوبته».
يعني قوله: «يحل عرضه» أن يقول: يا ظالم يا معتدي.
وعنى بعقوبته: طلب حبسه.
نعم: الصائل على مال الإنسان له دفعه عن ماله، وإن لم يتأت إلا بالقتل، لأن المال يخلص له عند ذلك، وهاهنا إذا نشزت، فليس في هلاكها استيفاء الحق بل فيه تفويته، فإنما رخص في ضرب مصلح وهذا بين.
قوله تعالى: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}.
قال أبو عبيدة، معناه: لا تعللوا عليهن بالذنوب.
قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِها} الآية [35].
اختلف الناس في المخاطبين بهذا الخطاب.
فقال سعيد بن جبير: «إنه السلطان الذي يترافعان إليه».
وقال السدي: الرجل والمرأة.
قال الشافعي رضي اللّه عنه:
والذي يشبه ظاهر هذه الآية، أنه فيما عم الزوجين معا حتى يشتبه فيه حالاتهما، وذلك أني وجدت اللّه تعالى أذن في نشوز الزوج بأن يصطلحا، وسن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ذلك، وسن في نشوز المرأة بالضرب، وأذن في خوفها أن لا يقيما حدود اللّه بالخلع، وذلك شبيه أن يكون برضا المرأة، وحظر أن يأخذ الرجل مما أعطى شيئا، إذا أراد استبدال زوج مكان زوج، فلما أمن فيمن خفنا الشقاق بينهما بالحكمين، دل ذلك على أن حكمهما غير حكم الأزواج، فإذا كان كذلك بعث حكما من أهله، وحكما من أهلها، ولا يبعث الحكمين إلا مأمونين برضا الزوجين، ويوكلهما الزوجان بأن يجمعا أو يفرقا إذا رأيا ذلك، ووجدنا حديثا بإسناده عن عليّ يدل على أن الحكمين وكيلان للزوجين، وهذا مذهب أبي حنيفة، وهو أصح المذاهب للشافعي، وإن حكى عن الشافعي فيه قول آخر على موافقة مذهب مالك، وهو أن الحكمين ينفردان دون رضا الزوجين إذا رأيا ذلك، وهو بعيد، فإن إقرار الزوج بالظلم لا ينافي النكاح، ولا ظلم المرأة مناف لذلك، والظلم إذا ظهر من أي جانب كان، وجب دفعه بطريقة، فأما أن يكون ظهور ظلم الظالم بينهما للحكمين طريقا إلى دفع النكاح دون رضا الزوجين فلا، وليس يزيد ظهور ذلك ظلما على إقرار الزوج أو الزوجة بالظلم.
نعم قد يقول القائل: إذا استمرت الوحشة، فلا وجه لتبقية الخصومة ناشبة بينهما، فاشتباه الحال في ذلك، كاشتباه الحال في المتبايعين إذا تخالفا.
وهذا بعيد، فإنهما إذا تخالفا فلا يتصور بقاء العقد على نعت الإختلاف ليكون العقد على وضعين متضادين، وها هنا لا شيء يوجب منع بقاء العقد، وخللا في معنى العقد، إنما يظهر من أحدهما ظلم فيدفعه الحاكم فأما فسخ النكاح فلا، وليس كالإيلاء، فإن هناك رجع النعت إلى المقصود وهو الاستمتاع.